يقال أنه إذا أردت أن تعرف من هو الفائز في أية لعبة, يجب عليك أن تعرف لمصلحة من تصب قواعد اللعبة, فعلى سبيل المثال إذا كانت هناك مسابقة في السباحة بين سمكة و فيل فإن السمكة ستفوز بغض النظر عن حجم المجهود الذي سيبذله الفيل, وإذا كانت هناك منافسة في تسلق الأشجار بين فيل و قرد فإن القرد سيفوز حتما, مهما حاول الفيل, الحكمة هنا أنه بإمكانك أن تعرف هوية المنتصر حتى قبل أن تبدء المعركة, إذا نظرت جيدا لقواعد اللعبة و إلى مصلحة من تصب,فالفيل رغم قوته و حجمه الكبير سيهزم إذا دخل معركة قواعدها لا تصب لمصلحته, و إذا أراد الفيل أن ينتصر عليه أن يجر خصومه إلى حلبة المصارعة, عندها فقط ينتصر.
إذا طبقنا هذه القواعد على الصراع العربي الإسرائيلي نجد أن إسرائيل قد نجحت منذ تأسيسها بجر العرب إلى قواعد اللعبة التي تناسبها, و لذلك كانت دائما هي المنتصرة, فمع بداية إعلان إنشاء الكيان الصهيوني, وضعت إسرائيل أطر الصراع و روجت له حول العالم, على أنه صراع بين اليهود المساكين الذين هربوا من محارق هتلر لكي يعيشوا بآمن في أرض الميعاد فهاجهم العرب من كل الجهات, و لقد نجحت إسرائيل بجر العرب إلى لغة تجعل الصراع عربي يهودي, في فترة كان كل العالم يتعاطف مع اليهود و مع ضحايا هتلر, و لقد زاد العرب من الطين بلة عندما بدأوا بالحديث عن رمي اليهود في البحر في حال إنتصروا عليهم, و قد أدى هذا الخطاب إلى إستبسال اليهود في القتال لأنهم أيقنوا أنه بحال هزيمتهم سيرمون بالبحر, كما أدى هذا الخطاب بتعاطف المجتمع الدولي مع اليهود من الإتحاد السوفياتي عبر أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية, و كل هذه الدول كانت تقاتل النازية التي كان اليهود من ضحياها.
و قبل تأسيس الكيان الصهيوني نجحت البروباغندا الإسرائيلية بإظهار المستوطنين اليهود كفلاحين يعملون بجد على إستصلاح الأراضي التي لم يعرف العرب كيفية إستغلالها, فبدأت الحركة الصهيونية بنشر الدعاية و الصور و مقاطع الفيديو للمستطوطنين اليهود الذين قدموا من أوروبا إلى أرض فلسطين و أنشأوا المستوطنات و بدأوا بتحويل الأراضي الجرداء إلى أراضي زراعية و كروم العنب و جنات خضراء, و عبر هذه الدعاية نجحت الحركة الصهيونية بإستقطاب اليهود من كل أنحاء أوروبا و بدءت موجات الهجرة إلى فلسطين, كما نجحت الحركة الصهيونية عبر هذه الدعاية من كسب تأييد النخب السياسية و الفكرية الأوروبية, حيث وجدت النخبة الأوروبية في اليهود, الكفاءة و الجدارة, بينما وجدت العرب مجرد بدو و رعاة غنم لا يملكون الكفاءة و الجدارة في إدارة أرضهم.
و عبر هذه القواعد تمكنت إسرائيل من هزيمة العرب, و تأسيس الكيان الصهيوني, و لا تزال إسرائيل تعمل إلى حد كبير وفق هذه القواعد, مع بعض التغيرات, فمع بداية إنشاء الكيان الصهيوني كانت مصلحة إسرائيل بجعل الصراع عربي يهودي, لإن العالم بعد الحرب العالمية الثانية كان متعاطفا مع اليهود, لكن إسرائيل لاحقا حولت وجه الصراع إلى صراع بين دولة مدنية حديثة على الطراز الأوروبي “إسرائيل” و بين متطرفين إسلامين معادين ليس فقط لإسرائيل لأنها دولة محتلة, بل معادين للحضارة الغربية …. و مجددا نجحت إسرائيل بجر العرب و المسلمين إلى قواعد اللعبة التي تناسبها, فأخفت إسرائيل وجهها الحقيقي القبيح كدولة دينية عنصرية متطرفة و لبست ثوب الدولة المدنية العصرية و ألبست العرب ثوب التطرف و معاداة الحضارة الغربية, و أصبحت إسرائيل هي خط الدفاع الأول عن الحضارة الغربية و عن التمدن…. و للأسف زاد العرب و المسلمين الطين بلة كما فعلوا بالسابق و بدأت المنظمات الدينية المتطرفة بالظهور و تنفيز الإعتدءات الأرهابية في الغرب و أثبتوا وجهة النظر الإسرائيلية…..
أما على صعيد الكفاءة التي أثبتتها إسرائيل مع بداية تأسيس الكيان الصهيوني بصورة المزارعين الكادحين الذين يستصلحون الأراضي التي أهملها العرب, الأن يثبتون كفائتهم من خلال مساهمتهم في الإبتكارات التكنولوجية و ألاف براءات الإختراع التي تصدر من إسرائيل, حيث لا يوجد شركة عالمية لا يوجد لها فرع في إسرائيل كما أن العلماء الإسرائليين يساهمون في تطوير جميع الصناعات وفي كافة المجالات, و إذا أردتم أن تعرفوا أهمية هذه النقطة عليكم بل الإستماع إلى خطابات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو في زيارته الخارجية, فانقطة الأهم في خطابه دائما ما تكون حول إنجزات إسرائيل و إبتكاراتها و مساهمتها في تطوير الصناعة العالمية.
العالم لا يحترم الضعفاء و لا يحترم الأغبياء و لا يحترم عديمي الكفاءة, فإسرائيل مهما إرتبكت من مجازر و فظاعات سيدعمها العالم و يحترمها,لأنها عرفت كيف تخفي وجهها القبيح و تعلمت كيف تظهر كدولة متطورة و كفوءة, محاطة بمجموعة من المتطرفبن الحاقدين الذين يحسدونها على نجاحها و يريدون تدميرها.
يمكن تجسيد نجاح الدعاية الإسرائيلية من خلال أحد تصريحات الرئيس الروسي فلادمير بوتين الذي قال” أن هناك الكثيرين حول العالم يحولون اليهود إلى شماعة لفشلهم و عدم كفائتهم” و من الواضح بأن العرب تشملهم هذه الصفة بنظر بوتين…. فعلى سبيل المثال كان العرب منذ الإتحاد السوفياتي و حتى الآن يذهبون إلى روسيا لطلب المساعدات العسكرية و الإقتصادية, و عندما تهزمهم إسرائيل يلقون اللوم على الإتحاد السوفياتي و يتهمونه بالبخل لأنه لم يعطهم ما يكفي من الأسلحة كما أعطت أمريكا لإسرائيل, بينما الإسرائليين الأن و في السابق عندما يزورون الروس أو الأمريكيين, فأنهم يبدئون حديثهم بعرض خدماتهم, فيعرضون على الأمريكيين على سبيل المثال برمجيات الأمن الألكتروني التي تطورها الشركات الإسرائيلية, او يعرضون على الأمريكين التعاون في مجال الدفاع الصاروخي التي تعتبر إسرائيل رائدة فيه, و عندما يجتمع القادة الروس و الإسرائليين فإن الحديث الإسرائيلي يبدء بعرض خدمات الشركات الإسرئليية في مجال تطوير صناعة الطيران و الأمن المعلوماتي و التعاون في مكافحة الإرهاب كما يعرضون على الروس التوسط لدى الأمريكيين من خلال اللوبي الصهيوني لحل المشاكل العالقة بين روسيا و أمريكا…
لكن و للأسف عندما يجتمع القادة السوريين و اللبنانيين و المصريين مع المسؤوليين الروس, ماذا بإمكانهم أن يعرضوا على روسيا؟؟ هم فقط يطلبون المساعدات و القروض و ليس لديهم شيء يقدمونه بالمقابل….. فلا تلوموا فلادميير بوتين على تصريحه فالمشكلة ليست فيه و لا في إسرائيل, المشكلة موجودة في داخلنا أولا.
إسرائيل دائما تحاول الترويج أن “العرق اليهودي” و الثقافة اليهودية هي مصدر الكفاءة و النجاح الإسرائيلي, و هي بشكل غير مباشر تشير إلى أن سبب الفشل العربي هو أولا جيني لا يمكن تغييره و ثانيا في الثقافة العربية الإسلامية, و بالتالي إذا أراد العرب النجاح عليهم أن يسيروا خلف شعب الله المختار و يتخلوا عن ثقافتهم , و يقبلوا أن يكونوا عمال و مستخدمين لدى رب العمل الإسرائيلي المتفوق و الذكي. و هذا هو مختصر صفقة القرن التي تسعى إسرائيل لترويج لها, فيمكن إختصار صفقة القرن بمعادلة الأرض و الموارد العربية و العقل و الثقافة الإسرائيلية, فبساطة فبحسب صفقة القرن على العرب تقديم أرضهم و مواردهم لإسرائيل التي تتمتع بالكفاءة و الذكاء لإدارتها, و بالمقابل تعطي إسرائيل الفتات للعرب لقاء مواردهم و أرضهم, و هذه المعادلة هي نفس المعادلة التي تمكنت إسرائيل من خلالها من إحتلال الأراضي الفلسطينية كما ذكرنا سابقا من خلال معادلة إستصلاح الأراضي التي فشل العرب في إستغلالها.
الحقيقة ان “العرق اليهودي” ليس عرقا متفوفا جينيا على العرب, و أن الثقافة الإسرائيلية ليست متفوقة على الثقافة العربية و الإسلامية, الحقيقة هي أن إسرائيل قررت بأن تكون متفوقة تكنولوجيا, و إتخذت قرارا بإعطاء الأولية للعلم و الكفاءات البشرية, بينما هناك من إتخذ قرارا في الدول العربية إما عن جهل أو تأمر لتحويل العرب إلى عبيد و فاشلين.
ليست صدفة أنه في التسعينات هناك من إتخذ قرار بقتل الصناعة و الزراعة في لبنان و تحويل الإقتصاد إلى إقتصاد خدمات, ليست صدفة أن جامعاتنا تنتج العبيد, بينما تنتج جامعات تل أبيب العلماء, في لبنان تشجع الجامعات الطلاب على دراسة التسويق و المحاسبة و إدارة الفنادق بينما جامعات تل أبيب تشجع الطلاب على دراسة البرمجة الإلكترونية و هندسة الطيران! !!!
ليست صدفة أن دول الخليج التي تملك مصادر الطاقة و الأراضي الشاسعة و رؤوس الأموال الهائلة التي تتيح لها أن تتحول إلى قوى صناعية هائلة لو إستثمرت قليلا في التعليم و بناء القدرات البشرية , لكنها إختارت بناء الأبراج و الإستسمار بالبناء و الخدمات!!!!
ليست صدفة أن أول قرارات الرئيس المصري أنور السادات كانت سياسة الإنفتاح الإقتصادي, التي دمرت الصناعة المصرية التي عمل جاهدا الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لبنائها.
وليست صدفة أن أيران هي العدو الأكبر لإسرائيل, ليس لأنها دولة دينية شيعية, بل لأنها دولة أثبتت كفاءتها أمام العالم من خلال إستثمارها في الصناعة و العلوم و التكنولوجيا.
الواضح أنه في مكان ما هناك من يدفعنا لنكون عبيد من ضمن المشروع الصهيوني, لكي يبقى الإسرائيلي متفوق و لكي يثبت الإسرائيلي كفاءته أمام العالم و لكي يثبت حقه في إدارة مواردنا و أراضينا.
كيف نكسر المشروع الصهيوني؟؟؟
بداية كسر المشروع الصهيوني, هي من خلال إظهار الوجه الحقيقي الذي يخفيه عن العالم, إسرائيل تريد لصراع أن يكون بين دولة حديثة مدنية متطورة على الطراز الغربي و بين مجموعة من المتطرفين الدينين العديمي الكفاءة الذين يعادون القيم الغربية و يحسدون إسرائيل على نجاحها و يريدون تدميرها, و بالتالي فإنه بحسب هذه المعادلة تكون الدولة الطائفية في لبنان التي تتناحر فيها الطوائف على السلطة و تفشل في إدارتها و تخرج جامعتها العبيد و العاطلين عن العمل, الخصم المثالي لإسرائيل….. بينما لو نجحنا في بناء دولة مدنية يتعايش فيها المسيحين و المسلمين في جو من المساواة , و كانت هذه الدولة المدنية الحديثة في مواجهة دولة عنصرية تسعى إلى بناء دولة ذات صفاء ديني كإسرائيل, عندها فقط ستفقد إسرائيل مشروعيتها و عندها ينجح الفيل في جر خصومه إلى حلبة المصارعة.
أما على صعيد إثبات الكفاءة للعالم, فعلى الدولة المدنية الحديثة في لبنان أن تبدأ بإعادة هيكلة إقتصادها بحيث يكون إقتصادها إقتصاد منتج, و الأهم هو إعادة النظر بالنظام التعليمي و الجامعات بالأخص, فلا نريد جامعات تخرج الموظفين في قطاع الخدمات بل نريد جامعات تخرج الكفاءات و المبدعين القادرين على إنشاء الشركات الصغيرة و تطوير إقتصاد المعرفة.
كما يجب إعادة النظر بوظيفة الجيش و القوى المسلحة, ففي إسرائيل على سبيل المثال يعتبر الجيش ليس فقط مؤسسة دفاعية بل أيضا للجيش دور منتج , فالجيش الإسرائيلي يعتبر أحد المحركات الأساسية للإقتصاد الإسرائيلي, إن لم يكن المحرك الأهم, كما أن الجيش الإسرائيلي يعمل على تطوير قدرات المجندين خريجي الجامعات, حيث أنهم يعملون في إختصاصاتهم داخل الجيش الإسرائيلي, و بعد إنهاء خدمتهم يحصلون على شهادة الخبرة التي تتيح لهم دخول سوق العمل أو إنشاء شركات صغيرة.
من دون شك أن المقاومة في لبنان قد نجحت في بناء نموذج تنظيمي و دفاعي أثبت كفاءته و وضع إسرائيل في خانة الفشل لأول مرة في تاريخها و و ضع العرب في خانة الكفاءة و النصر لأول مرة, و مما لا شك فيه أن حجم التضحيات التي بذلتها المقاومة في بناء هذه المنظومة كبير و كبير جدا, و هذا يدفعنا إلى العمل بجد و عزم على حفظ دماء الشهداء و أن لا تذهب دماءهم هدرا, لذلك يجب العمل بجد لإصلاح بلدنا و العمل على تغيير النظام الطائفي الذي يستنزف المقاومة و يستنزف البلد و مقدراته, ثورة 17 تشرين علمتنا أنه إن كان أحد يتوهم أنه بإمكانه أن يعزل المقاومة و بيئتها عن مشاكل البلد السياسية و الإقنصادية فهو واهم, فمشاكل الوطن ستتسرب للمقاومة عاجلا أم أجلا, هي حتما ليست مهمة سهلة و هي حتما مهمة كان قادة المقاومة يتفادون الدخول بها لصعوبتها و تعقيدها, لكن و كما قال الإمام علي, إذا هبت أمرا فقع فيه.
مرحبا اخي يمكنك النشر في مجموعتنا العربية و الحصول على الدعم من البوت الخاص بنا
فقط من خلال النشر فيها
https://steemit.com/trending/hive-137313
Downvoting a post can decrease pending rewards and make it less visible. Common reasons:
Submit