العربي ورهاب الحرية

in hive-181314 •  3 years ago 

Share on Twitter
Share on WhatsApp
من زاوية أخرى
العربي ورهاب الحرية

محمد المحمود
08 نوفمبر 2021
فتاة عراقية تحمل لافتة "الخائفون لا يصنعون الحرية" في ساحة التظاهر في البصرة
فتاة عراقية تشارك في تظاهرة شعبية وتحمل لافتة كتب عليها "الخائفون لا يصنعون الحرية".
كثيرا ما يتشبع الإنسان العربي بما ليس فيه؛ في حاضره وماضيه. إنه يفخر كثيرا، ويحب أن يقول ـ يقول؛ لا يفعل ! ـ في الفخر بما لا يستع له رَحْبُ الفضاء أحيانا، يحب أن يُحْمَد بما لم يَفعل؛ وكأنه يطابَق ـ توهما وإيهاما ـ بين القول والفعل، بين الادعاء والحقيقة، إلى أن يصل درجة يتوهم فيها أن ما قاله؛ قد فعله حقا، وأن ما زعمها صفة: مدح/ فخر؛ قد حازها أزلا وأبدا؛ فهي ـ وفق ما يدعي/ يزعم ـ طبيعته الخالدة؛ ثم يبني تصوراته وتقريراته وقراراته على هذا الأساس من الادعاء المجاني!

من هنا، يجب الحذر من أخذ كلامه عن ذاته على محمل الجد، إذ هو ـ وخاصة في سياق تقريره الفضائل الذاتية ـ يدخل في عملية لا شعورية من "التعويض عن المفقود"، عملية ترميم للتصدعات التي تطال حقيقته في الواقع، ترميم بِطِلاءٍ من الدعاوى العريضة التي تتضخم بحجم الإحراجات التي تصنعها تلك التصدعات الغائرة في نفس حائرة، في نفس تائهة، في نفس فاقدة لانتظام المعنى المتضمن في اتساق حركة التاريخ، أو ـ على نحو أدق ـ في التصور المُنَسِّق لعملية الوعي بالتاريخ.

على أي حال، ما نحن بصدده اليوم هو الزعم العربي/ زعم الإنسان العربي أنه ابن الحرية وسليلها الأنقى، زعمه أنه "عاشق الحرية" الأصيل، و"التواق إلى عوالمها" من فجر تاريخه الأول، وإلى اليوم. ويستدل على ذلك، لا بحركة الصعلكة الأولى فحسب، بل ـ أيضا، وأساسا ـ بالفوضى التي لازمت تاريخه منذ حاول كتابة سطوره الأولى في الواقع وإلى اليوم، على اعتبار أن تلك الفوضى وامتداداتها في تاريخه وجغرافياته تشَكل دليل تمرد حرياتي، ناتج عن اعتباره "الحرية" قيمة تتجاوز قيمة الشروط الموضوعية الناظمة للحياة في حَدّها المادي الخالص.

لكن، ليست الحرية هي الفوضى، ولا نمط من الفوضى، والفوضى ليست هي الحرية بحال. الفوضى هي عدوان على الحرية أصلا، هي تقويض لشرطها الضروري في الواقع. ومجتمعات الفوضى التي تغيب عنها شروط الضمانة القانونية؛ هي مجتمعات بلا حرية، إذ الفوضى تعني تلاشي الحدود الفردية المضمونة التي يستطيع أن يمارس الفرد فيها حريته، والتي بدونها يصبح مشرعا على العدوان في كل آن، ومن كل أحد.

الحرية ليست حالة عدم، أي ليست فراغا سلبيا، ليست هي "الحالة الطبيعية" الأولى، المتحققة أو المفترضة، بل هي حالة بناء تراكمي، حالة إيجابية تعني الفعل المُتجاوِز لـ"حالة الطبيعية"، ولحالة الفوضى. "إن الحرية حق مكتسب بالجهد، وليست منة إلهية، أو منحة من الطبيعية" (الديمقراطية وتحديات الحداثة، إيليا حريق، ص192).

إذن، الحرية ليست اختيار العالم الفوضوي العبثي، ليست تحللا من القوانين والأنظمة المضافة إلى "حالة الطبيعية"؛ ليكون الإنسان أقدر على تمثل الحرية والامتثال لها. إنها الاختيار الحر، ولكنه ـ في الوقت نفسه ـ الاختيار المسؤول الذي يقدم ـ عن وعي وعن إرادة، وعن وعي كامل بهذه الإرادة ـ كل الأثمان اللازمة التي هي شرط الحرية الأولي، كما هي/ الأثمان شرطها الضروري المحايث على مدى الوعي بها ـ إرادة وتمثلا ـ.

ومن هنا، ولكونها إضافة إيجابية تشترط فعلا واعيا، ثم لِتَقاطع طرق الوعي بالواقع (الواقع مُتَضمِّنًا الواقعةَ الإنسانية ذاتها) الذي تتموضع فيه الحرية، ولتقاطع طرق الوعي بالحرية ذاتها؛ تصبح الحرية متعددة الأبعاد بالضرورة. وهي أبعاد يشترط بعضها بعضا، ولا تتحقق كـ"حرية" فاعلة بالذات ومن خلال الذات إلا بتعاضد وتساند هذه الأبعاد كلها. يقول المفكر العراقي الكبير/ عبد الجبار الرفاعي ـ كاشفا عن ملامح هذا الشرط الإيجابي، وتعدد أبعاده ـ: "الحرية أشق من العبودية؛ ذلك أنها: إرادة، وحضور، واستقلال، وشجاعة، ومسؤولية، وخيار إيماني، وموقف حيال الوجود. أن تكون حرا فهو يعني أنك تواجه العالم كله، وتتحمل كل شيء وحدك. العبودية: هشاشة، وغياب، واستقالة، وخضوع، وانقياد، وتفرج، وتبعية، ولا موقف، ولا أبالية، ولا مسؤولية. أن تكون عبدا يعني أنك لست مسؤولا عن أي شيء، حتى عن نفسك" (الدين والظمأ الأنطولوجي، ص16).

المصدر

Authors get paid when people like you upvote their post.
If you enjoyed what you read here, create your account today and start earning FREE STEEM!
Sort Order:  

image.png