هانس هرمان هبه

دعوني أبدأ ب... بالكلام عنما أصفه بمشكل النظام الإجتماعي،

تخيلوا روبنسون كروزو لوحده على جزيرته.

بإمكان روبنسون كروزو أن يفعل ما يريد على جزيرته، مشكل التعاون الإجتماعي مشكل، السلوك الإنساني المنظم بكل بساطة لا يطرأ في هذه الحالة.

لكي يطرأ هذا المشكل يجب أن يظهر شخص آخر في المشهد.

إذن يظهر جمعة في المشهد، الآن تخيلوا أن هذه الجزيرة كجنة عدن، أن بها موارد وفيرة بشكل خارق للعادة، كل شيء فيها مجاني، تماما كالهواء الذي نستنشقه ، يكون مجاني في العادة.

طالما الأمر هكذا، فالطبع لا يمكن لأي خلاف أن يظهر بين روبنسون كروزو و جمعة لأنه مهما فعلا، لا يحرم أحدهما الآخر من أي شيء. كمية المنتجات الموجودة تبقى كبيرة كما كانت في البداية و يبقى عدد الحاجيات المتوفرة لجمعة هو هو. لن يكون هنالك مشكل بين روبنسون كروزو و جمعة إلا إن كانت الحاجيات محدودة العدد، إلا إن كانت الحاجيات لا تتوفر بشكل خارق للعادة .

في جنة عدن هنالك شيئن نادرين فقط و لا يمكن أن يظهر إلا نوعان من الخلافات.

الشيء النادر حتى في جنة عدن - حيث كل شيء وفير بشكل خارق للعادة- الشيء النادر في جنة عدن هو من جهة:

• جسدي - ليس لدي إلا جسد واحد-

• و المساحة التي يوجد عليها جسدي

إن أراد روبنسون كروزو فعل شيء بجسد جمعة أو أراد جمعة فعل شيء بجسد روبنسون كروزو، إن أراد روبنسون كروزو أن يقف في المكان الذي يقف فيه جمعة بالضبط عندها يقع خلاف لأن هنالك ندرة حاجيات.

إذا سنحتاج في جنة عدن كذلك لقواعد للتعاون الإنساني السلمي، للتعاون الإنساني المنظم لكي نتجنب نوع الخلافات التي بينتها للتو.

و في العالم الحقيقي، الذي يمتاز بالطبع بكل هذه الندرة المحيطة بنا - كل شيء فيه محدود - سنحتاج قواعد تمكننا من تجنب الخلاف فيما يتعلق بكل الحاجيات المحدودة الكمية و المشكل المطروح فيما يخص الكيفية التي يجب تنظيم الحاجيات المحدودة الكمية بها هو ما أسميه مشكل النظام الإجتماعي.

في تاريخ التفكير الإجتماعي قد أعطيت عدة إقتراحات فيما يخص الطريقة التي يجب علينا أن نحل بها مشكل النظام الإجتماعي هذا و لأن عدد الإقتراحات التي أعطيت كبير، ظن العديد بأنه ليس هنالك حل واحد، حل صحيح لمشكل النظام الإجتماعي. لكني أريد أن أبرهن على أنه نعم هنالك حل واحد صحيح لمشكل النظام الإجتماعي، هنالك جواب دقيق صحيح واحد على سؤال: كيف يمكننا أن نتجنب، الخلافات بين الأشخاص مع وجود ندرة في الحاجيات ؟

دعوني فقط أبين بإختصار الحل الصحيح.

هو حل كان معروفا منذ زمن بعيد، لقد طور نوعا ما على مر القرون. لكنه حل سهل جدا، و ستعرفون ذلك بسرعة.

دعوني أولا أصيغ الحل بالنسبة لحالة جنة عدن - للجنة -

هناك نحتاج قاعدة واحدة فقط و تلك القاعدة هي:

• بإمكان أي شخص فعل ما يريد أن يذهب إلى أي مكان يريد أن يحتل أي مكان يريد طالما لا يقف إنسان آخر على المكان الذي يرد أن يقصده.

هذا و لصياغة الأمر بطريقة مختلفة: بإمكاننا وضع أو تحريك أجسادنا أينما أردنا طلما لا يحتل المكان الذي نريد فعل ذلك فيه إنسان آخر و لا يقف فيه.

و خارج جنة عدن أي في العالم الحقيقي حيث تحيط بنا الندرة، هناك 4 قواعد مرتبطة ببعضها البعض يجب على الناس أن يتبعوها إن أرادوا تجنب كل أنواع الخلافات

=> الأولى هي:

• كل فرد هو المالك الحصري لجسده

بإمكاني فعل أي شيء أريده بجسدي، لا يحق لأي شخص أن يتدخل في ذلك.

إن أردت فعل شيء بشخص آخر فسأحتاج لموافقة ذلك الإنسان.

هذه هي القاعدة الأولى.

بإمكاننا أن نرى الآن و بشكل حدسي أنه ليس هناك خيار آخر.

من غيري يجب أن يكون مالكا لجسدي ؟ من يجب أن يملك روبنسون كروزو غير روبنسون كروزو ؟ هل يجب أن يملكه جمعة ؟ أو هل يجب أن يملك جمعة و روبنسون كروزو بعضهما البعض بشكل مشترك ؟

لكن ترون في الحال أن هذا لا يجنبنا الخلافات، أنه يسبب خلافات.أنه يجعل الخلافات إن أمكننا القول دائمة.

=> القاعدة الثانية هي :

• كل فرد هو المالك الحصري لكل الموارد الطبيعية أو الحاجيات التي رأى بأنها نادرة و كان أول مالك لها

بإمكاننا أن نصيغ هذه القاعدة بطريقة أخرى كذلك:

كل شخص يستعمل شيئا لم يكن له مالك.... إستعماله الأول لذلك الشيء يجعله مالك ذلك الشيء

مرة أخرى ستكون البدائل:

من يجب أن يمتلكه غير الشخص الذي سبق لإستعماله ؟ شخص لم يكن هو من سبق و إستعمله ؟ ثاني شخص إستعمله ؟ أو الشخص الأول و الثاني معا ؟

و مرة أخرى نعرف في الحال أن القواعد البديلة لن تجنبنا الخلافات، أنها ستجعل الخلاف دائما في الحقيقة.

=> و القاعدة الثالثة تأتي بالأساس من القاعدة الأولى و الثانية و هي :

• كل فرد إستعمل جسده و الأشياء التي كان أول من إمتلكها لإنتاج شيء جديد يصبح مالك ما أنتج طالما لم يضر بممتلكات أناس آخرين خلال إنتاجه لما أنتج.

=> و القاعدة الرابعة هي :

حين يصبح الشيء مملوكا أو حين ينتج يصبح إمتلاكه من طرف شخص آخر ممكنا فقط إن تم تسليمه بطريقة إرادية؛ تسليمه من مالك حالي لمالك مستقبلي.

هذه هي القواعد جميعها إن إتبعنا هذه القوانين فسنتمكن من تجنب كل الخلافات و سيكون لدينا سلام دائم. - سيسير التعاون بطريق يسير جدا -

سأجنب نفسي إعطاء تبريرات مفصلة لتلك القواعد لأني قمت بذلك في عدة كتابات، لكني أثق بأنكم تحسون بطريقة حدسية أننا في حياتنا اليومية نعترف بهذه القواعد و نعمل بحسبها على أية حال.

الآن، دعوني أوضح هذا:

عكس الإدعاء الذي نسمعه بكثرة، أن مؤسسة الملكية الخاصة كما وصفتها - ملكية خاصة في ما يتعلق بالأجساد، بالأشياء التي لم يكن يملكها أحد من قبل... إلخ- الإدعاء الذي نسمعه كثيرا،و الذي يقول أن الملكية الخاصة إصطلاح فقط.

أريد أن أوضح بأن هذا ليس هو الحال على الإطلاق.

الإصطلاح له دور و الإصطلاح يتميز بحقيقة أن له بديل. مثلا، الحروف اللاتينية التي نستعملها
تلعب دور التواصل المكتوب و هناك بديل لها. لدينا مثلا الحروف السيريلية، التي يمكننا إستعمالها عوض الحروف اللاتينية.

لكن ما هو الهدف من المعايير؟ ما هو الهدف من القواعد ؟

الجواب هو :

إن لم تكن هنالك أي خلافات بين الأفراد فلن نحتاج أي قواعد. نحن نحتاج للقواعد فقط، نحن نحتاج للمعايير الإجتماعية فقط لأن هنالك خلافات في هذا العالم و الهدف من المعايير أو القواعد تجنب الخلافات التي لا يمكن تجنبها بشكل آخر.

القاعدة التي تولد الخلافات، التي تخلق الخلافات، قاعدة مخالفة لهدف القاعدة أو المعيار نفسه
و بإمكاننا أن نقول أيضا : القاعدة التي تلق خلافات شيء مشوه و لا يقوم بعمله -أي مساعدتنا على تجنب الخلافات-

و فيما يخص الهدف الذي مفاده تجنب الخلاف، مؤسسة الملكية الخاصة ليست على الإطلاق إصطلاحا فقط لأنه لا يوجد أي بديل عنها.

الملكية الخاصة أو الملكية الحصرية هي الشيء الوحيد الذي يمكن من إجتناب الخلافات التي لن يمكن إجتنابها دونها و لوحده مبدأ إكتساب الملكية عن طريق الإمتلاك الأصلي - أي إمتلاك شيء لم يكن مملوكا في السابق- يمكن من إلغاء الخلافات منذ ظهور الجنس البشري إلى نهايته. لأن أول مالك للشيء لم يورط أي شخص في أي خلاف؛ كان أول شخص، لم يكن هنالك غيره.

إذا السبق لإمتلاك الشيء و جعله ملكا خاصا طريقة خالية من الخلافات لتحويل شيء كان خارجيا إلى ملك خاص.