غادة بوشحيط
قد تكون الطوباوية ردًا متطرفًا إزاء بؤس الواقع، تدفع الحالمين المسكونين بأمل إلى تحقيق ملاحمهم.
نتساءل عن أي عثرة كسرت الحلم، لنكتشف أنها لم تكن عثرة واحدة بل عثرات.
تزيد مشروعية السؤال حين تنقل وسائل الإعلام صورًا لغزاويين يُحاربون جور الأيام بالواقيات الذكورية، كوسيلة يائسة، أستلهمت من ظلم الواقع، كسلاح أخير.
تزامنت أحداث غزة، مع ذكرى وفاة "محمد بودية"، المثقف والمناضل الجزائري، وأحيت في الأذهان الأسئلة الممكنة حول الراهن الفلسطيني، بل العربي في مجمله. ناصر الرّجل كافة القضايا العادلة، وبذل في سبيلها كل وقته وجهده، آمن بكافة أشكال النّضال المتاحة، جمع بين حدّة الذكاء ولا محدودية الحلم، عاش الرجل بطلا ورحل أيقونة..
لم يكن "محمد بودية" الجزائري الوحيد الذي تقاسم نضال الفلسطنيين سنوات الستينات والسبعينات، حيث عدّت مجموعته الكثير منهم. انخرط جلّهم في العمل النّضالي في سنّ مبكّرة نسبيا، تأثّراً بإفرازات الكفاح المسلّح في الجزائر وأفكار المرحلة. طلبة وعمال بسطاء شرّدتهم العواصم وجمعهم نبل القضايا. يروون ملاحم رفيقهم بكثير من الفخر، و يكنّون أعظم الاحترام لذكرى الرجل التي لا تزال حية ومتوهجة.
يصطدم الباحث في تاريخهم بقلّة المراجع التي توثق لحيثيات عمل المجموعة وتفاصيل تنظيمها، كما أن أي محاولة لولوج عالم "إخوة السلاح" تغدو مغامرة عصيّة، غير محسوبة العواقب، فلا يكفي صدق الانبهار لمحاولة فكّ شيفرة التاريخ. تكاد تكون اﻟ"لماذا؟" السؤال الوحيد المسموح. فكل محاولة لمساءلة ذاكرة الفعل، تنكسر أمام عمق المبدأ، وسطوة الصّمت كعملة وحيدة غير قابلة للصّرف.
محمد بودية
يحتار المقارب للواقع العربي في استعمال الأدوات الأنسب لقراءة الخيبات، خصوصا حين يكتشف أنها متجذّرة في وجدان من قدر لهم حكم الشعوب. ولا يكاد يخرج حاكم عربي عن تقليد الاستهبال حتى يخيّل للمواطن العربي أن خفّة العقل من صفات الحاكم الأساسية.
تعجّ كتب التاريخ بروايات تبدو أقرب للخيال منها إلى الحقيقة، كما أن الذّاكرة الجمعية تحفظ بدقة خرجات بعض الزّعماء في الماضي القريب، لعل أشهرها وأكثرها إثارة للشفقة تلك التي أبدعها الرئيس الليبي الأسبق "معمر القذافي"، والذي لم يترك مناسبة عامة إلا وصنع الحدث قولا وشكلا وحتى فعلا. يأخذ التيه العربي معناه الأقدس حين نسائل استراتيجيات بناء الدولة، لنتفاجأ بسريالية المشهد.
شكلت الهجرة مادة للبحث والدّراسات قبل أن تستحيل شبحا أسقط الكثير من الأقنعة العنصرية. وقبل أن يختص باحثون في دراسة أبعادها المتعددة، أسس لها الرفيق "أبو مازن" في باريس. ففي الوقت الذي كان رفقاء بودية يكدون في هندسة وتطوير تنظيم مسلح يُشابه تنظيم حرب الجزائر، كان "محمود عباس" – حديث العهد بشقروات باريس –، يعد الحرب المضادّة لتعريب فرنسا. "وفي الوقت الذي كنت أحّدثه عن بناء مجموعات صغيرة وتدريبها، كان يرد علي: ماذا لو زوّجنا كل نساء فرنسا بعرب.. طلبت أن لا يتم اسناده إلي مرّة أخرى، بدا لي مستهترا وغير جدير بالتعاون.. ثم تفاجأت بعد عقود أنه هو من خلف ياسر عرفات على رأس السلطة الفلسطينية." هذا ما أسرّت به ذاكرة المسموح بكثير من الحسرة والسّخرية. و لعل العديد من المسائل كانت محسومة في رأس الرّجل مذ ذاك الحين، فلن يحيد عن القاعدة: أعظم نيل العربي امرأة، أعتى سلاحه ولده، ألذ أعدائه أخوه، وثورته زوبعة في أصغر فنجان.
يبدو الحاضر شبيهًا بالماضي، ولا شيء يلوح في الأفق عن مستقبل أفضل. لا اعتبار لأحلام المحاصرين من الأطفال، سواء قذفهم اللقلق، أو جاؤوا بالخطأ في غياب واقٍ يقيهم مشقّة المجهول.
Posted from my blog with SteemPress : https://www.nafhamag.com/2018/07/16/%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a3%d8%b1%d8%a7%d8%af-%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d8%b3-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d8%ba%d8%b2%d9%88-%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d8%a7/
Hi! I am a robot. I just upvoted you! I found similar content that readers might be interested in:
https://transit.ekitan.com/fare/sf-3072/st-2011
Downvoting a post can decrease pending rewards and make it less visible. Common reasons:
Submit