في وقت تصف فيه الأمم المتحدة بأن اليمن تعيش أسوء كارثة إنسانة في التاريخ الحديث ، ما تزال الحرب في اليمن تحمل صفة الحرب المنسية ، وذلك بسبب الفساد والفشل الذريع والغياب الممنهج للعمل الدبلوماسي اليمني في مختلف دول العالم ، الأمر الذي انعكس على مسار الحرب وتذبذب المواقف الدولية تجاه الصراع على الساحة اليمنية وهو ما مكن المليشيات من فرض قواعد وأسس تتوافق مع منهجيتها التدميرية ..
وتسبب غياب الدور الفاعل الدبلوماسية اليمنية التي يفترض بها أن تعمل جنبا إلى جنب مع القوى العسكرية والسياسية على أرض الواقع ، في افساح المجال للدبلوماسية الموازية ك(الحوثيين والانتقالي ومن خلفهم إيران و أدواتها ، والإمارات واذارعها) ، بأن تنشط وتفتتح مكاتب لها في كثير من دول العالم ، لتغيير قناعات هذه الدول تجاه حقيقة الصراع القائم في اليمن ، فضلا عن توسيع تواجدها ونفوذها على أرض الواقع ..
وفي حين حققت الدبلوماسية السورية من خلال بشار الجعفري الممثل الدائم للنظام السوري في الأمم المتحدة ، نجاح استثنائي في الدفاع عن النظام السوري ، ونجحت في خلق صورة جيدة عن النظام للعالم رغم وحشيته ، حققت الدبلوماسية اليمنية فشل ذريع على مختلف الأصعدة ، في وقت سعى فيه الحوثيين لتحسين صورتهم وتعزيز موقفهم ، من خلال اقناع البعثات الدولية والأمم المتحدة بدورهم المحوري في الحرب على الإرهاب وتصوير الصراع على انه حرب بين دولتين ، وتسخير وسائل الإعلام المختلفة في هذا الإطار ..
ذلك فضلا عن مواصلة المليشيات إقامة المؤتمرات والمسيرات والأنشطة الطلابية والمدنية في مختلف العواصم والمدن العالمية ك"نيورك وباريس ولندن وبروكسل وغيرها" ، لتصوير الحرب في اليمن على أنها حرب يمنية سعودية بطرق مباشرة وغير مباشرة ، وسط تغيب ممنهج لقوى الشرعية التي أصبحت توصف بحلفاء السعودية ، وهو ما اقتنعت به أمريكا وبريطانيا على الأغلب ، او لربما ذلك ما يبدو من تصرفات الدولتين تجاه مجمل الملف اليمني التين تعملان بكل جهد لتمكين المليشيات واضعاف موقف الشرعية اجمالا في اليمن ، لغياب الدور الفاعل للعمل الدبلوماسي اليمني في الخارج وحتى في مقعد اليمن الدائم بالأمم المتحدة .
في الحقيقة ، لقد أثر غياب المنهجية السياسية والدبلوماسية لقوى الجمهورية على تغيير قواعد اللعبة في اليمن ، واتاح هذا الغياب الفرصة للاعبين اخرين اخذ مكان الدبلوماسية الرسمية وتغيبها ، ويمكن القول أن مرد هذا الغياب لفشل ثورة فبراير التي اطاحت جزئيا بالنظام السابق في تغير في هذه المنهجية ، بل أنها أفرزت واقع دبلوماسي أشد ركاكة من السابق ، وتضاعف ذلك بشكل مخيف عقب الانقلاب الحوثي في سبتمبر 2014م ، واتسمت المرحلة الدبلوماسية ما بعد الانقلاب وحتى الآن بالاضمحلال والفشل المضاعف ..
كما أن الأزمة الخليجية بين قطر والسعودية القت بظلالها على تغيب السلك الدبلوماسي اليمني الذي كان يتلقى الدعم المالي بشكل رئيسي ومباشر من دولة قطر ، بل وأصيب بالشلل التام عقب انحياز القيادة اليمينة لصف دول المقاطعة ، الأمر الذي مكن دول التحالف (السعودية والامارات) من إحكام القبضة على السلك الدبلوماسي اليمني وتوظيفه بما يتوأم مع سياسة الدولتين في اليمن ، وهو ما ضاعف من ركاكة وفشل هذا المحور الهام من محاور الصراع في اليمن .
وفي حين أن العمل الدبلوماسي لا يقل أهمية عن الأعمال العسكرية في أرض الميدان ، وقد يكون أكثر اهمية وحساسية ، عملت أبو ظبي والرياض وبكل قوة على على تعطيل الدبلوماسية اليمنية وافشال اي تحركات لها في الخارج ، الى جانب توظيف القنوات والوسائل الإعلامية والدبلوماسية لتوجيه ضربات استباقية لأي تحركات دبلوماسية يمنية ، إضافة لتعزيز لغة الخطاب الإنقلابية التي دأبت على تصوير الصراع في اليمن بأنه يمني سعودية بحت ، فضلا عن شيطنة قوى الشرعية ووصفها بالإرهاب ..
تلك الخطوات وان كانت غير ظاهرة للرأي العام ، إلا انها ساهمت وبشكل مباشر على خسارة قوى الجمهورية لأكثر من معركة وربما الحرب ان جاز التعبير ، على غرار نجاح مليشيات الحوثي في إقناع المجتمع الدولي بتوقيف معركة الحديدة وكذا اسقاط صنعاء ، فضلا عن شرعنة الحرب على مأرب ، وتصويرها على انها حرب ضد الارهاب و الاحتلال .. ولك أن تتخيل أن إعلام دول التحالف تساعد الحوثيين في كثير من الأحيان بتوصيل رسائل سياسية تصف جزء واسع من قوى الشرعية بالارهاب ..
وعلى الرغم من تصريحات وزير الخارجية اليمني "الحضرمي" ومواقفه الحادة تجاه مجمل الأحداث في اليمن ، الا انها تظل مواقف فردية لا تتجاوز كونها تصريحات أو كلمات لا وجود لأي انعكاس لها على السلك الدبلوماسي في عموم دول العالم ، وذلك يعود إلى منهجية اختيار موظفي هذا السلك الذين يتم اختيارهم بأبعاد المحسوبية والولاء واغفال جانب الكفاءة والحنكة والخبرة الكفيلة في توجيه المجتمع الدولي نحو دعم الشرعية اليمنية وانهاء الحرب ..
في الحقيقة لقد مثل غياب الاستراتيجية السياسية الداعمة للعمل الدبلوماسي فشل اخر للقيادة السياسية اليمنية ، وتحول معها السلك الدبلوماسي اليمني من العمل السياسي إلى العمل الطلابي والمتاجرة في البعثات الدراسية والتلاعب بالمخصصات المالية لطلاب اليمن في الخارج ، وكأن السلك الدبلوماسي اصبح عالم منفصل بحد ذاته عن السياسة اليمنية وما يحدث في أرض الواقع ..
- إيهاب الشرفي