المصدر
الأسس التي حولت رواندا من بلد منقسم مدمر الى أسرع اقتصادات افريقيا نموا
سامان نوح:
بعد مرور ربع قرن من الحرب الأهلية والابادة العرقية التي توصف بالأسوأ في القرن العشرين، يتلمس سكان رواندا المنقسمون الى قبيلتين، طريقهم نحو مستقبل آمن ومزدهر في بلد يحقق تطورا اقتصاديا ملفتا مدفوعا باستقرار اجتماعي بعد أن نجحت مبادرات المصالحة والتسامح وخطط الاصلاح في ابعاد خطر الحرب كما الجوع والتشرد الذي عانت منه رواندا في الحقب الماضية.
برامج الاصلاح الاقتصادي التي طورت الزراعة والصناعة والسياحة وجذبت الاستثمارات، الى جانب مبادرات المصالحة والغفران والتعايش مكنت رواندا من تجاوز تداعيات الحرب المدمرة والابادة الجماعية مطلع تسعينات القرن الماضي، ليتحول البلد بعد عقدين من الزمن إلى أحد أكثر الدول الافريقية استقرارا وأحد أسرع الاقتصادات العالمية نمواً بتسجيل نسبة قاربت التسعة بالمائة سنة 2017.
البلد الذي فقد نحو مليون شخص خلال الحرب العرقية، لا يملك حقول نفطية ولا مناجم للمعادن، راهن على الزراعة والصناعات الصغيرة وقطاع الخدمات والسياحة فأصبح قبلة السائحين الأولى في القارة السمراء، في ظل استراتيجية ركزت على بعدي “تحقيق شروط المصالحة والتعايش” و”تطوير بنية الاقتصاد”، وتضمنت العمل المشترك باخلاص في ظل حكم رشيد يضمن الشفافية والنزاهة، لتقوية البنى التحتية والحد من الفقر ورفع كفاءة النظام التعليمي وتوفير الأسس الملائمة للاستثمار المحلي والأجنبي.
وشهدت رواندا بين 1990 و1993 صراعاً دمويا بين القوات المسلحة الرواندية الممثلة للحكومة (الهوتو- اكثرية عددية) وبين الجبهة الوطنية الرواندية (التوتسي- اقلية) توقف مع توقيع اتفاق سلام، لكن الاتفاق انهار مع قيام مجموعة متطرفة من الهوتي (حركة هوتو باور) في مطلع نيسان 1994 بتنفيذ عمليات ابادة ضد التوتسي أسفرت عن سقوط 800 الف الى مليون قتيل من التوتسي والهوتو المعتدلين خلال مئة يوم فقط. وانتهت الحرب بعد سيطرة الجبهة الوطنية الرواندية على مدن البلاد تباعا بما فيها العاصمة كيجالي خلال أقل من ثلاثة أشهر*.
وعدت تلك المذابح أكبر الإبادات الجماعية خلال القرن العشرين، وحصلت نتيجة للدعاية العنصرية التي مورست بين القبيلتين في إطار التنافس بينهما للحكم في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 12 مليون نسمة.
الغفران والتسامح
كيف نجحت رواندا في تجاوز سنوات الصراع على السلطة بين الهوتو والتوتسي، وآلام الابادة الجماعية؟ يختصر متابعون للتجربة الرواندية الاجابة في أمرين: الغفران والتسامح والحكم الرشيد.
يوضح تقرير لفرانس برس، ان الغفران والتسامح، مكن من وضع أسس اعادة بناء المجتمع والدولة.
ويورد التقرير قصة الراونديان جان بوسكو غاكوينزيري وباسكال شيراهوامابوكو، الذين تربطهما قصة صادمة عن واحدة من عمليات القتل التي حصلت، فقبل 25 عاما شارك الثاني في قتل والد الأول، خلال الإبادة الجماعية.
في نهاية قداس الأحد في كنيسة بلدتهما، تبادل الروانديان اللذين يعرفان بعضهما البعض جيدا منذ خمسين عاما، الحديث والابتسامات الودية، ودخلا في عناق طويل ودافئ، بعد مشوار طويل من العمل على الغفران والتسامح بين الجاني والضحية.
في العام 1994، كان شيراهوامابوكو عضوا في عصابة ضربت والد غاكوينزيري حتى الموت، بعيد انزلاق رواندا في أحداث عنف مروعة وإبادة جماعية.
الرجلان مازالا يعملان كمزارعين في حقول الكسافا والبطاطا خارج بلدة موتيتي الصغيرة الواقعة على بعد 40 كلم شمال العاصمة كيغالي.
وقال شيراهوامابوكو البالغ الآن 68 عاما “لقد أذيته بشكل كبير، لكنّه سامحني”، وتابع “هو الآن أفضل اصدقائي”.
خلال شهر نيسان قبل 25 عاما، كانت بلدة موتيتي مسرحا لأحداث عنف لا يمكن تخيلها، إذ شهدت اقتتالا دمويا بين الجار وجاره.
وقتل أكثر من ألف شخص من سكان البلدة في الأيام القليلة التي اعقبت تفجر العنف الاتني، الذي ارتقى لإبادة جماعية قتل فيها أكثر من 800 ألف شخص من قبائل التوتسي بين نيسان وتموز 1994، حسب أرقام الأمم المتحدة.
وما يزال غاكوينزيري النحيل البالغ 65 عاما والذي يرتدي قبعة برتقالية لرعاة البقر، يتذكر لحظة وصول رجال يحملون السواطير أعضاء في عصابة مسلحة من اتنية الهوتو التي تشكل غالبية سكان البلاد وتعرف باسم “انتراهاموي”.
وقد جاؤوا الى القرية لملاحقة وقتل السكان التوتسي الذين كانوا يلقبونهم “بالصراصير”.
ويسترجع الرجل المكلوم هذه الأحداث المروعة وقد امتلأت عيناه بالحزن “ذهبوا الى كل منزل يعرفون أن به سكانا من التوتسي … كانوا يقطعونهم بالسواطير”.
وتمكن غاكوينزيري من الاختباء من الميليشيا، لكنّ زوجته وأربعة من ابنائه الستة فشلوا في ذلك وماتوا ذبحا على أيدي عناصر هذه الميلشيات.
ونجح والده في الهرب إلى الغابة مع قطيعه، لكن احدى عصابات “انتراهاموي”، والتي يقول شيراهوامابوكو إنّه أجبر على الانضمام إليها، عثرت عليه.
وقال شيراهوامابوكو إنّه حاول في البداية إنقاذ والد صديقه، لكن الميليشيا وضعته امام اختيار صعب، إما تركهم يقتلون والد صديقه أو يقتلونه هو شخصيا.
وتابع بهدوء “أنقذت نفسي”، ليشارك لاحقا في قتل عشرات آخرين.
Authors get paid when people like you upvote their post.
If you enjoyed what you read here, create your account today and start earning FREE STEEM!
If you enjoyed what you read here, create your account today and start earning FREE STEEM!
Downvoting a post can decrease pending rewards and make it less visible. Common reasons:
Submit