الأزمة اللبنانية السياسية والاقتصادية تفاقم معاناة الصحافة ووسائل الإعلام

in hive-181314 •  3 years ago 


لم يسلم الإعلام اللبناني من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وحالة الاستعصاء السياسي التي تمر بها البلاد. ووسائل الإعلام اللبناني اليوم، لم تعد مزدهرة كما كانت خلال عقود مضت، ولم تعد بيروت منبرا أو فضاء للصحافيين والكتاب والمثقفين العرب، فقد أقفلت العديد من وسائل الإعلام ودور النشر والمكتبات والمطابع وأصبحت مقراتها ومكاتبها أماكن مهجورة.
يقول الإعلامي أمين مصطفى، يكاد القارئ أو المشاهد أو المستمع العربي لا يصدق ما وصل إليه حال الإعلام اللبناني من تراجع وانهيار بعد ان كان في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، يشكل منبر ورئة العرب وملاذ كل الإعلاميين والمثقفين والفنانين، لما كانت تمتاز به العاصمة اللبنانية من حرية تعبير، وامكانات مهمة تعطي الإعلام قوة من خلال ما يقدم له من دعم مالي ضخم محليا، عربيا ودوليا.
ويؤكد مصطفى لـ«القدس العربي» أن بيروت كانت إضافة إلى صحافتها الرائجة وإعلامها مرآة المنطقة، باعتبارها تعكس الوقائع السياسية في المنطقة وما يخطط من مشاريع وبرامج.
ويتابع القول، كانت بيروت طوال تلك الحقبة، صحيفة ومطبعة ومكتبة وصوت العرب.
هذه المزايا افتقدها لبنان اليوم، بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت وتعصف بالبلد، وتوقف الدعم المالي العربي والخارجي عن عدد من وسائل الإعلام، وتم الاستغناء عن الإعلام اللبناني بتوسيع وتقوية الإعلام في عدد من البلدان العربية.
وهذا طبعا إلى جانب الفوضى السياسية وضعف الحكومات المتعاقبة وعدم قدرتها على معالجة الأسباب التي أوصلت البلاد إلى حالة التخبط والمعاناة التي تعيشها، وانهيار العملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي وانشغال المواطن بهمومه اليومية، وانتشار الفساد وبشكل غير مسبوق والذي أدى إلى انكشاف العجز.

تسريح محررين وعاملين

البعض يرى أن أسباب هذه الأزمات سياسية بامتياز، والبعض الآخر يرى فيها جزءا من الصراع الدائر في المنطقة. ولو ألقينا نظرة إلى تداعيات هذا الوضع على الإعلام اللبناني، نلحظ ان صحفا اضطرت للإقفال مثل جريدة «السفير» بعد 42 عاما من العطاء المتواصل والمميز، كذلك لحق العجز بصحيفة «النهار» وكاد مصيرها يلقى نفس مصير جريدة «السفير» لولا بعض الدعم، وقد اضطرت إلى تسريح أعداد من المحررين والعاملين فيها، وبعضهم كان يشكل حجر زاوية في العمل، كما تم تقليص الرواتب، كما صرح بذلك عدد من العاملين فيها.
وكانت الأزمة قد سبقت هاتين الصحيفتين وطالت صحفا عربية عريقة أخرى، كـ»الحياة» و«المحرر» ومجلات «الحوادث» و«الصياد».
وبعد 68 عاما من انطلاقتها أعلنت صحيفة «الدايلي ستار» الناطقة باللغة الانكليزية، تعليق نسختها الورقية، والسبب كما أوضح القيمون عليها غياب الإعلانات التي كانت تعتمد على المصارف والاستثمارات وغيرها. كذلك توقفت صحيفة «المستقبل» عن الصدور مع مطلع العام 2019 ولحق بها تلفزيون «المستقبل» بعد 26 عاما على انطلاقته، بسبب الأزمة المالية، وقد تم تسريح المئات من الموظفين من دون دفع مستحقاتهم المالية.
ومنذ أيام قليلة توقفت إذاعة «راديو» الناطقة باللغة الانكليزية بعد عمر ناهز الأربعين عاما من البث.
واضطرت مجلة «اميدو» الناطقة باللغة الفرنسية إلى إقفال مكاتبها بعد 65 عاما من النشر والتوزيع، وأعلنت غير محطة مرئية ومسموعة، عن عجزها في مواصلة مشوارها، فلوح البعض بالانتقال من البث المفتوح إلى البث المشفر في الأيام المقبلة.
ومن أبرز الصحف ووسائل الإعلام التي أعلنت عن عجزها وتوقفت عن الصدور والبث، صحف «المستقبل» و«البيرق» و«الأنوار» و«السفير» و«الكفاح العربي» و«اليوم» و«الأيام» و«الديلي ستار» والكثير من المجلات التي توقفت عن الصدور منها مجلات «الصياد» و«الحوادث» و«الموقف» و«أيبدو» ومن الإذاعات، «صوت بيروت» و«إذاعة راديو1» و«صوت لبنان العربي» وتلفزيون «المستقبل» و«كليكيا» ز»نشرة مركز التوثيق والأبحاث».
وختم أمين مصطفى قائلا: «مع ازدياد وتفاقم الأزمة المالية والاقتصادية، والتي تعود جذورها إلى سنوات خلت، من المتوقع أن يشهد الإعلام اللبناني، سنوات عجاف قد تؤدي ببعضها إلى الإقفال أو الرحيل أو البيع».

خلفيات سياسية

وفي رأي أستاذ الإعلام الدكتور رشيد عبدو أن إغلاق الصحف ووسائل الإعلام اللبنانية ليس إلا حلقة في انهيار منظومة ثقافية وسياسية واجتماعية صنعت فيما مضى دور لبنان كمنارة للإعلام والحرية. وهي حلقة في سلسلة تترافق وتتزامن معلنة انتهاء هذا الدور بمعزل عن ثورة الاتصالات والتكنولوجيا، ويأتي إغلاق الكثير من الصحف والمجلات انعكاساً للانهيار السياسي ككل في لبنان، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد بسبب سياسة الحصار التي يتعرض لها على خلفيات سياسية داخلية ذات بعد إقليمي.
ويشير الدكتور عبدو لـ«القدس العربي» إلى أن انقطاع أو تجفيف الدعم المالي من الجهات الخارجية لوسائل الإعلام أدى إلى خسارة كبيرة لقطاع الإعلام ككل. لافتا إلى أن لبنان خسر الكثير على هذا الصعيد بعد أن كانت الصحف اليومية والمجلات تلعب دورا اساسياًعلى الصعد السياسية والاجتماعية بسبب الحرية التي كانت تطبع الحياة السياسية في لبنان، وكذلك كانت المقاهي تجمع المثقفين والسياسيين على مختلف أهوائهم وانتماءاتهم الإيدوليوجية ما أنتج حركة إعلامية ناشطة، وأنتج حركة للصحف حيث كانت الصحيفة أو المجلة هي الصديق على طاولة الحوار والنقاش.

المصدر

Authors get paid when people like you upvote their post.
If you enjoyed what you read here, create your account today and start earning FREE STEEM!
Sort Order:  

image.png