"ميتا" وإعادة إنتاج العالم

in hive-181314 •  3 years ago 

مشروع "ميتافيرس" الذي أطلقه مارك زوكربرغ، يشكّل قفزة جديدة في وسائل الاتصال المتعددة الاستخدامات. كيف يُصنع عالم المستقبل؟

الواقع الافتراضي
مع شيوع استخدام الإنترنت، وتحوُّله إلى المسرح الفعلي الذي يجري عليه مقدار مهم من النشاط البشري، تولّدت ديناميات متعددة من العلاقات والتفاعلات التي امتدت من التواصل، شخصياً وفردياً وجماعياً، إلى التواصل، عملياً وتجارياً ومالياً... إلخ. وسُمّيت هذه الديناميات المتفاعلة بتسارعٍ مطّرد بـ"الواقع الافتراضي" (VR Virtual Reality).

لقد تكوّن في الشبكة عالمٌ موازٍ للعالم الفعلي الذي تجري فيه الأحداث، مثلما كانت تجري طوال التاريخ. وهذا العالم، كان مغايراً تماماً، بحيث يشكّل انعكاساً مساعداً لتفاعلات العالم الحقيقي، ومحفزاً له، وأحياناً قائداً له.

سمحت هذه التقنية للمستخدمين بتجربة لم تكن ضمن توقعات البشر قبل وقتٍ ليس بعيداً، بحيث أدّى الحاسوب دوراً أساسياً في عكس واقع مستجد على الواقع الحقيقي، وسمح للمستخدمين بمحاكاة بيئات وفرضيات واحتمالات غير موجودة في العالم الحقيقي، على نحو ملموس، وأمكن الحاسوب من إجراء عمليات تقنية كانت ستتطلب زمناً أطول بما لا يقاس، فيما لو بقيت ضمن وكالة الإنسان. ومن الناحية المتعلقة بالتواصل الاجتماعي، فإن الواقع الافتراضي مكّن المستخدم من صنع هوية موازية لهويته الحقيقية. هوية يصنعها كما يشاء، ويخرج بها افتراضياً في الفضاء العام، ثم ما لبثت هذه الإمكانات، التي وضعتها هذه التقنيات في أيدي المستخدمين، أن تحوَّلت إلى عالمٍ موازٍ قائمٍ في ذاته.

كان واقعاً غير موجود، لكنه في حقيقة الأمر كان تطوراً لا يمكن إغفاله، أو تجاوزه في مسيرة البشرية. فمن حاول المواجهة سرعان ما استسلم لمخرجاته، ومن حاول الاندماج سرعان ما وجد نفسه متأخراً بفعل التسارع اللحظي للمستجدات والأحداث المرتبطة بهذا المجال.

لقد تحول العالم الافتراضي، خلال سنواتٍ قليلة من عمر هذا الكوكب، إلى واقع يَقضي فيه البشر معظم أوقاتهم، بين العمل والدراسة والترفيه وغير ذلك، لكنه بقي هشّاً في كل مرةٍ يوضع في الكفة الأخرى من ميزان المقارنة مع الحياة الحقيقية، التي بقيت تمثّل للناس الحقيقةَ المطلقة التي لا يمكن للتطور تجاوزها أو ضرب قوانينها المتجذرة، وإنما يمكن تحويلها ورسم مسارات جديدة لها.

لقد وفّر الواقع الافتراضي بيئةً لصناعة الأفكار والأنشطة، أكثر وفرةً وخصوبة من البيئة الحقيقية، وخصوصاً عندما تجاوزت حدود إمكان الكائن البشري الحقيقي للتواصل مع الآخرين. ففي حين كان الإنسان محكوماً بمحدودية قدرته على التواصل مع الآخرين عددياً، ومحدودية الزمن المتاح له، وهو عدد ساعات يومه، تمكّن الواقع الافتراضي من خلق بيئةٍ لا تنام، تستمر فيها كل أشكال التفاعلات طوال الوقت، ومن دون توقف. وهذا ما جعل العالم الافتراضي يتجاوز محدودية الوقت إلى فضاءٍ لانهائي من الزمن الذي يترك في يد المستخدم احتمالاتٍ جديدة كلياً. لكن الأكثر أهمية من ذلك، كان الإتاحة التي وفّرها الواقع الافتراضي للمستخدمين من أجل أن يوضّحوا أفكارهم، وفق طريقةٍ مغايرة وأكثر فاعلية. لقد قفزت هذه التقنية، في مختلف أنواع الأعمال التي استفادت منها، إلى مستوى جديد كلياً من الإنتاج، فولدت برامج التصميم والتجارة والصناعة، وتوسعت آفاق الخدمات، وتداخل العالم الحقيقي بالعالم الافتراضي ضمن أبعاد ثلاثية تستجيب للمستخدمين بطريقة طبيعية، ولا حصر للمجالات التي استفادت من هذه التجربة، التي شملت الطب والتعليم والتجارة والترفيه... لقد تمّ، من خلال هذه التقنيات، عرض العالم على الشبكة، بعد أن غصّت وسائل الإعلام التقليدية بموادها، وبقيت حبيسة الساعات الـ24 يومياً والصفحات المعدودة على الورق.

ظهرت إرهاصات الواقع الافتراضي في الثمانينيات من القرن الماضي، حينما بدأ تطوير أجهزة ناقلة للبيانات. لقد أصبحت هذه التقنية الثورة المقبلة في الاتصال والإعلام والأعمال، على حدّ سواء، لكن ذلك لم يكن نهاية المطاف. وما هي سوى سنوات قليلة حتى ظهرت تقنية "الواقع المعزَّز" (Augmented Reality AR).

المصدر

Authors get paid when people like you upvote their post.
If you enjoyed what you read here, create your account today and start earning FREE STEEM!
Sort Order:  

image.png