"- لم لا تدخل منظمتكم في محادثات سلام مع الإسرائليين؟
- لا تقصد تحديداً محادثات سلام، بل تقصد الإستسلام.
- لم لا تتكلمون فحسب؟
- نتكلم مع من؟
- مع الإسرائليين.
- هذا نوع من المحادثة بين السيف والرقبة، تقصد؟"
"هذا نوع من المحادثة بين السيف والرقابة، تقصد؟"، أكاد أجزم أن غسان كنفاني لم يكن يقصد سؤال محاوره هنا، بل كان في موقع الإبلاغ أن أي تفاوضٍ بين صاحب القضية والجلاد هو تفاوضٌ بين السيف والرقبة. أما اليوم فهي بين العين والمخرز.
مقابلة اجراها الشهيد غسان كنفاني مع صحافي أجنبي يسعى لجر كنفاني للوقوع بفخ التطبيع، الفخ الذي وقع فيه الكثير اليوم من حيث يعلم أو لا يعلم.
ذلك الأسلوب الذي انتهجه الصحافي في مقابلته، أسلوب تظهير العدو الصهيوني على أنه كيانٌ مستعدون للحوار وتقديم التنازلات، أو أنه صاحب دولةٍ راقيةٍ أبعد ما يكون عن سفك الدماء وقد شاء قدرها أن تكون وسطى غابة مليئة بالوحش المفترسة الذين يسمون " العرب". نفس الأسلوب يتبعه بعض اللبنانيين في الداخل محاولين إظهار صورة العدو صاحب التاريخ المليء بالجرائم على أنه كيانٌ "مدني" قبل أن يكون "عسكري".
مجرد طرح البطريرك الراعي لفكرة السماح للمؤمنين المسيحيين بزيارة الأراضي المقدسة ولو من دون (ولا أعرف كيف) التنسيق أو التعامل مع العدو، هو اظهار لذلك الكيان الغاصب على أنه كيانٌ يحفظ حق حرية المعتقد. في نفس الوقت الذي تلمع فيه هذه الصورة الدينية للعدو، يمارس بدوره أبشع أنواع إنتهاك حقوق حرية المعتقد في سجونه مع النساء المحجبات، وليست آخرهن خديجه خويص التي أجبرت على خلع حجابها في السجن. إن طرح البطريرك لهذا الأمر سيحرف القضية عن مسارها الحقيقي ويلمع صورة كيانٍ يمعن كل جمعة بمنع المصلين الفلسطينيين من وصول إلى المسجد الأقصى. سيلمع صورة الكيان الذي يدرب كلابه على الهجوم على كل من يقول كلمة "الله أكبر". إن طرح البطريرك الراعي وأخلاقيات العدو لا ينسجمان أبداً.
لم تقتصر طروحات بعض اللبنانيين في موضوع التطبيع على الأمور الدينية فقط، بل تعدتها لتصل للتطبيع " الفني" مع هذا العدو. آخر الشواهد هي زيارة المخرج زياد الدويري للأراضي المحتلة ومهرجانات “tomorrwoland” الموسيقية. قيام زياد الدويري بزيارة الأراضي المحتلة أخذ طابعاً جدلياً في لبنان بين مؤيدٍ ومعارض يطالب بمعاقبة الأخير. ولعل هذا النقاش يعبر عن مشكلة ثقافية في عقول الشعب اللبناني ترقى لمستوى قرع جرس الإنذار في جبهة مقاطعة العدو الإسرائلي. إن زيارة الدويري بالدرجة الأولى تخالف قانون العقوبات اللبناني، ضمن "الصلات غير المشروعة بالعدو"، في المادة 285 (معدلة وفقاً للقانون الصادر بالمرسوم 15698 تاريخ 6/3/1964 والقانون 239 تاريخ 27/5/1993 ) على التالي:
يعاقب بالحبس سنة على الأقل وبغرامة لا تنقص عن مائتي ألف ليرة لبنانية كل لبناني وكل شخص ساكن لبنان أقدم أو حاول أن يقدم مباشرة أو بواسطة شخص مستعار على صفقة تجارية أو أي صفقة شراء أو بيع أو مقايضة مع أحد رعايا العدو أو مع شخص ساكن بلاد العدو.
إن قانون العقوبات ورغم وضوحه لم يكن كافياً بنسبة للبنانيين لحسم الجدل الحاصل. أما مهرجانات “tomorrwoland” وبحسب القيمين عليها فهي تهدف إلى "مد الجسور والاتحاد بين الشعوب". أي إن الشاشات ستفتح مباشر في الحفل بين الدول المشاركة ليرقص الجميع سوياً، وهكذا تسلخ إسرائيل الصورة النمطية الموجودة عنها عند شعوب العالم على أنها دولة سفك الدماء وكيان عسكري قام على المجازر. هكذا تصل الأخيرة إلى هدفها في "تمدين" وجودها على حساب كل المجازر التي ترتكبها وارتكبتها بحق الشعوب العربية.
حملة المقاطعة لا يجب أن تسخف من قبل البعض الحريص على "أنسنت" إسرائيل.. نتنياهو يعترف في أحد خطاباته أن المقاطعة هي "تهديد إستراتيجي ووجودي" بالنسبة لإسرائيل. بل إن نائب مدير عام الشؤون الثقافية في كيان العدو في سنة 2009 يشدد على أهمية إرسال شركات مسرحية ومعارض فنية للخارج بإسم "إسرائيل" حتى لا يتم التفكير بالكيان الصهيوني في سياق الحرب فقط. من هنا نستنتج أهمية حملات المقاطعة وأهمية دعم الحركات الفردية والجماعية التي تهدف إلى مقاطعة إسرائيل وإظهار وجهها الدموي. إن بعض المقاطعات الفردية كمقاطعة الحكم الأردني لمباراة أحد أطرافها إسرائيلي ومبادرة رئيس مجلس الأمّة الكويتي مرزوق الغانم بطرد الوفد الإسرائيلي من اجتماع برلماني دولي كفيلة بإيصال قضيتنا للرأي العام الغربي المضلل، ولعلها السبيل الوحيد لنا لتعويض عدم مهنية الإعلام الغربي في نقل الواقع حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.
إسرائيل كيانٌ قام على المجازر والدماء، ولن ينتصر علينا إلا بنزع هذه الصفة عنه.
Nice
Downvoting a post can decrease pending rewards and make it less visible. Common reasons:
Submit